عندما أطلق نظام الدفاع الجوي السوري صواريخه منذ ايام نتيجة انذار خاطىء، تنبّه الاسرائيليون الى جهوزية سورية عالية، ستمنع استهداف تل ابيب لسوريا. سيتكرر اسقاط الطائرات الاسرائيلية، أو ضرب الصواريخ المتجهة نحو الاراضي السورية. تل ابيب لم تقلّل من حجم الجهوزية السوريّة، رغم وصفها اطلاق الصواريخ السورية "بالعصبيّة الزائدة" في نظام الدفاع الجوي السوري. تدرك تل ابيب، بحسب صحافتها، أن اللعبة الميدانية والعسكرية مكشوفة. لن تستطيع موسكو منع دمشق من الرد، في حال تعرضت لاستهداف اسرائيلي. الحساب بين السوريين ومعهم الايرانيون من جهة، والاسرائيليين وخلفهم الاميركيين من جهة ثانية، مفتوح. لكن القلق الاسرائيلي يتظهّر جرّاء نية الأميركيين اخلاء الساحة السورية. لا ترى تل ابيب أن الضربة الأميركية نجحت في "ترويض دمشق"، ولا في منع تمدد النفوذ الايراني، ولا فرض معادلات عسكرية وسياسية على الروس. المطلوب بالنسبة الى الاسرائيليين، ابقاء السيف الغربي مسلّطا على الرقبة السورية، لغاية عقد تفاهم سياسي دولي–اقليمي، يحمي اسرائيل من "التهديدات الايرانية".
صحيفة "هآرتس" العبرية، وصفت المشهد "بالحساب المفتوح لايران مع اسرائيل". تشكّل سوريا مساحة التهديد لتل ابيب من ضمن اجندة ذاك الحساب. من هنا، ينشط جهاز الاعلام الاسرائيلي بشكل حثيث بين المؤسسات الاعلاميّة والصحافيّة الدوليّة، للتركيز على حجم "المخاطر الايرانيّة" في سوريا، لإثارة الرأي العام الدولي. يسعى الاسرائيليون من خلال حملاتهم الاعلامية، أولا، الى اظهار رسالتين لسوريا، بحسب "هآرتس": الاولى، هي أننا نصمّم على مواصلة المواجهة معكم، اذا قررتم تعميق التواجد الايراني العسكري. والثانية، هي ان النظام العسكري مكشوف للاستخبارات الاسرائيلية. لكن الهدف الاساسي بالنسبة الى الاسرائيليين هي ايران. فالصحافة العبرية عكست اجواء اسرائيلية تفيد بأن جهاز الامن في تل ابيب، أراد ابلاغ طهران عبر وسائل الاعلام، "أننا نرى استعداداتكم المتقدمة نحو عملية انتقام ضد اسرائيل، وان تل ابيب تستعد لردّ مضاد واسع النطاق". لم تقتصر تلك الرسالة على الايرانيين، بل توجهت الى الروس والسوريين. هي حرب نفسية تخوضها اسرائيل لمنع الايرانيين من الردّ، واجهاض أي دفاع سوري ضد الطائرات الاسرائيلية.
أظهرت صحيفة "معاريف" العبرية حجم التوتر الاسرائيلي نتيجة تطورات سوريا الميدانية. لم تكن تل ابيب تتوقع تمدد الدولة السورية على مساحات نزعها منها المسلحون منذ سنوات، وخصوصا في ريف دمشق. كانت كل التقديرات تشير الى عجز السوريين من اعادة هيبة الدولة. لكن تل ابيب، تخشى من الرد الايراني للثأر ردا"على استهداف مستشارين ايرانيين في قاعدة "تي فور". رغم ان تل ابيب لم تنفِ، أو تؤكد الهجوم. هذا التجاهل أتى لعدم استفزاز روسيا، "وعدم منح ايران مبرر للرد".
لا يخفي الاعلام العبري وجود ضغط نفسي كبير في الجيش الاسرائيلي، في محاولة ردع ايران عن الرد، لكن الهدف الحقيقي عند الاسرائيليين هو القول لايران: احذروا، لا تعملوا ضدنا. أنتم مكشوفون. نحن نعرف عنكم كل شيء. هذه الرسائل هي مجرد تحذير لا يدلّ على قوة الاسرائيليين، بل يشير الى خوف في تل ابيب من رد ايراني مؤلم. ستبقى تل ابيب تخشى من ذاك الرد الايراني. هذا ما يمنعها من التصرف العسكري في سوريا. لأن الدفاع الجوي السوري جاهز بأعلى درجاته، لضرب أي طائرات اسرائيلية أو صواريخ تخرق الأجواء السورية. ولّى الزمن الذي كانت فيه دمشق تتجاهل الرد المباشر. صار السوريون أكثر ارتياحا من الاعوام الماضية. القلق الاسرائيلي يزداد جرّاء تجاهل موسكو للتهديدات الايرانية بحق الاسرائيليين. الروس يقّرون ضمنا للايرانيين بحقّ الرد على الضربة التي تعرضوا لها في قاعدة "تي فور". لكن موسكو تسعى لضبط النزاع على الارضِ السوريّة قدر الامكان. هي معنيّة بامساك الساحة السوريّة، وتفويت الفرص على الأميركيين لابقاء سوريا مشتعلة.
قد تجد تل ابيب نفسها عاجزة عن تنفيذ تهديداتها، في حال أقدمت طهران على الانتقام والثأر. ستضطر الى بلعِ الرد الايراني مكرهة بقوة مستجدات ميدانية في سوريا، لم تعد تسمح للاسرائيليين بالمناورة والربح. العين على الجنوب السوري. فهل يسبق الحسم العسكري للاطاحة بالمسلحين الردّ الايراني على اسرائيل؟ أم يكون الحسم وامساك الحدود هو الرد بعينه؟.